فصل: تفسير الآية رقم (42):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: أنوار التنزيل وأسرار التأويل المشهور بـ «تفسير البيضاوي»



.تفسير الآية رقم (41):

{وَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ (41)}
{وَإِن كَذَّبُوكَ} وإن أصروا على تكذيبك بعد إلزام الحجة. {فَقُل لّى عَمَلِى وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ} فتبرأ منهم فقد أعذرت، والمعنى لي جزاء عملي ولكم جزاء عملكم حقاً كان أو باطلاً. {أَنتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَاْ بَرِئ مّمَّا تَعْمَلُونَ} لا تؤاخذون بعملي ولا أؤاخذ بعملكم، ولما فيه من إيهام الإِعراض عنهم وتخلية سبيلهم قيل إنه منسوخ بآية السيف.

.تفسير الآية رقم (42):

{وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ وَلَوْ كَانُوا لَا يَعْقِلُونَ (42)}
{وَمِنْهُمْ مَّن يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ} إذا قرأت القرآن وعلمت الشرائع ولكن لا يقبلون كالأصم الذي لا يسمع أصلاً. {أَفَأَنتَ تُسْمِعُ الصم} تقدر على إسماعهم. {وَلَوْ كَانُواْ لاَ يَعْقِلُونَ} ولو انضم إلى صممهم عدم تعقلهم. وفيه تنبيه على أن حقيقة استماع الكلام فهم المعنى المقصود منه ولذلك لا توصف به البهائم، وهو لا يتأتى إلا باستعمال العقل السليم في تدبره وعقولهم لما كانت مؤفة بمعارضة الوهم ومشايعة الإلف، والتقليد تعذر إفهامهم الحكم والمعاني الدقيقة فلم ينتفعوا بسرد الألفاظ عليهم غير ما ينتفع به البهائم من كلام الناعق.

.تفسير الآية رقم (43):

{وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْظُرُ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تَهْدِي الْعُمْيَ وَلَوْ كَانُوا لَا يُبْصِرُونَ (43)}
{وَمِنهُمْ مَّن يَنظُرُ إِلَيْكَ} يعاينون دلائل نبوتك ولكن لا يصدقونك. {أَفَأَنْتَ تَهْدِى العمى} تقدر على هدايتهم. {وَلَوْ كَانُواْ لاَ يُبْصِرُونَ} وإن انضم إلى عدم البصر عدم البصيرة فإن المقصود من الإبصار هو الاعتبار والاستبصار والعمدة في ذلك البصيرة، ولذلك يحدس الأعمى المستبصر ويتفطن لما لا يدركه البصير الأحمق. والآية كالتعليل للأمر بالتبري والإعراض عنهم.

.تفسير الآية رقم (44):

{إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (44)}
{إِنَّ الله لاَ يَظْلِمُ الناس شَيْئًا} بسلب حواسهم وعقولهم. {ولكن الناس أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} بإفسادها وتفويت منافعها عليهم، وفيه دليل على أن للعبد كسباً وأنه ليس بمسلوب الاختيار بالكلية كما زعمت المجبرة، ويجوز أن يكون وعيداً لهم بمعنى أن ما يحيق بهم يوم القيامة من العذاب عدل من الله لا يظلمهم به ولكنهم ظلموا أنفسهم باقتراف أسبابه. وقرأ أبو عمرو والكسائي بالتخفيف ورفع {الناس}.

.تفسير الآية رقم (45):

{وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنَ النَّهَارِ يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ (45)}
{وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَن لَّمْ يَلْبَثُواْ إِلاَّ سَاعَةً مّنَ النهار} يستقصرون مدة لبثهم في الدنيا أو في القبور لهول ما يرون، والجملة التشبيهية في موضع الحال أي يحشرهم مشبهين بمن لم يلبث إلا ساعة، أو صفة ليوم والعائد محذوف تقديره: كأن لم يلبثوا قبله أو لمصدر محذوف، أي: حشراً كأن لم يلبثوا قبله. {يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ} يعرف بعضهم بعضاً كأنهم لم يتفارقوا إلا قليلاً، وهذا أول ما نشروا ثم ينقطع التعارف لشدة الأمر عليهم وهي حال أخرى مقدرة، أو بيان لقوله: {كَأَن لَّمْ يَلْبَثُواْ} أو متعلق الظرف والتقدير يتعارفون يوم يحشرهم. {قَدْ خَسِرَ الذين كَذَّبُواْ بِلِقَاء الله} استئناف للشهادة على خسرانهم والتعجب منه، ويجوز أن يكون حالاً من الضمير في يتعارفون على إرادة القول. {وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ} لطرق استعمال ما منحوا من المعاون في تحصيل المعارف فاستكسبوا بها جهالات أدت بهم إلى الردى والعذاب الدائم.

.تفسير الآيات (46- 51):

{وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ اللَّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ (46) وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَسُولٌ فَإِذَا جَاءَ رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (47) وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (48) قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرًّا وَلَا نَفْعًا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ إِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَلَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ (49) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُهُ بَيَاتًا أَوْ نَهَارًا مَاذَا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ الْمُجْرِمُونَ (50) أَثُمَّ إِذَا مَا وَقَعَ آَمَنْتُمْ بِهِ آَلْآَنَ وَقَدْ كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ (51)}
{وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ} نبصرنك. {بَعْضَ الذي نَعِدُهُمْ} من العذاب في حياتك كما أراه يوم بدر. {أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ} قبل أن نريك. {فَإِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ} فنريكه في الآخرة وهو جواب {نَتَوَفَّيَنَّكَ} وجواب {نُرِيَنَّكَ} محذوف مثل فداك. {ثُمَّ الله شَهِيدٌ على مَا يَفْعَلُونَ} مجاز عليه ذكر الشهادة وأراد نتيجتها ومقتضاها ولذلك رتبها على الرجوع ب {ثُمَّ}، أو مؤد شهادته على أفعالهم يوم القيامة.
{وَلِكُلّ أُمَّةٍ} من الأمم الماضية. {رَّسُولٍ} يبعث إليهم ليدعوهم إلى الحق. {فَإِذَا جَاء رَسُولُهُمْ} بالبينات فكذبوه. {قُضِىَ بَيْنَهُمْ} بين الرسول ومكذبيه. {بالقسط} بالعدل فأنجي الرسول وأهلك المكذبون. {وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ} وقيل معناه لكل أمة يوم القيامة رسول تنسب إليه فإذا جاء رسولهم الموقف ليشهد عليهم بالكفر والإيمان قضى بينهم بإنجاء المؤمنين وعقاب الكفار لقوله: {وَجِئ بالنبيين والشهداء وَقُضِىَ بَيْنَهُمْ} {وَيَقُولُونَ متى هذا الوعد} استبعاداً له واستهزاء به. {إِن كُنتُمْ صادقين} خطاب منهم للنبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين.
{قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِى ضَرّا وَلاَ نَفْعًا} فكيف أملك لكم فأستعجل في جلب العذاب إليكم. {إِلاَّ مَا شَاء الله} أن أملكه أو ولكن ما شاء الله من ذلك كائن. {لِكُلّ أُمَّةٍ أَجَلٌ} مضروب لهلاكهم. {إِذَا جَاء أَجَلُهُمْ فَلاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ} لا يتأخرون ولا يتقدمون فلا تستعجلون فسيحين وقتكم وينجز وعدكم.
{قُلْ أَرَءيْتُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُهُ} الذي تستعجلون به. {بَيَاتًا} وقت بيات واشتغال بالنوم. {أَوْ نَهَارًا} حين كنتم مشتغلين بطلب معاشكم. {مَّاذَا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ المجرمون} أي شيء من العذاب يستعجلونه، وكله مكروه لا يلائم الاستعجال وهو متعلق ب {أَرَءيْتُمْ} لأنه بمعنى أخبروني، والمجرمون وضع موضع الضمير للدلالة على أنهم لجرمهم ينبغي أن يفزعوا من مجيء العذاب لا أن يستعجلوه، وجواب الشرط محذوف وهو تندموا على الاستعجال، أو تعرفوا خطأه، ويجوز أن يكون الجواب ماذا كقولك إن أتيتك ماذا تعطيني وتكون الجملة متعلقة ب {أَرَءيْتُمْ} أو بقوله: {أَثُمَّ إِذَا مَا وَقَعَ ءامَنْتُمْ بِهِ} بمعنى إن أتاكم عذابه آمنتم به بعد وقوعه حين لا ينفعكم الإِيمان، وماذا يستعجل اعتراض ودخول حرف الاستفهام على {ثم} لانكار التأخير. {الئان} على إرادة القول أي قيل لهم إذا آمنوا بعد وقوع العذاب آلآن آمنتم به. وعن نافع {الئان} بحذف الهمزة وإلقاء حركتها على اللام. {وَقَدْ كُنتُم بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ} تكذيباً واستهزاء.

.تفسير الآية رقم (52):

{ثُمَّ قِيلَ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا بِمَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ (52)}
{ثُمَّ قِيلَ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ} عطف على قيل المقدر. {ذُوقُواْ عَذَابَ الخلد} المؤلم على الدوام. {هَلْ تُجْزَوْنَ إِلاَّ بِمَا كُنتُمْ تَكْسِبُونَ} من الكفر والمعاصي.

.تفسير الآية رقم (53):

{وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ (53)}
{وَيَسْتَنْبِئُونَكَ} ويستخبرونك. {أَحَقٌّ هُو}َ أحق ما تقول من الوعد أو ادعاء النبوة تقوله بجد أم باطل تهزل به قاله حيي بن أخطب لما قدم مكة، والأظهر أن الاستفهام فيه على أصله لقوله: {وَيَسْتَنْبِئُونَكَ} وقيل إنه للإنكار ويؤيده أنه قرئ: {آلحق هو} فإن فيه تعريضاً بأنه باطل، وأحق مبتدأ والضمير مرتفع به ساد مسد الخبر أو خبر مقدم والجملة في موضع النصب {يستنبئونك}. {قُلْ إِى وَرَبّى إِنَّهُ لَحَقٌّ} إن العذاب لكائن أو ما ادعيته لثابت. وقيل كلا الضميرين للقرآن، وإي بمعنى نعم وهو من لوازم القسم ولذلك يوصل بواوه في التصديق فيقال إي والله ولا يقال إي وحده. {وَمَا أَنتُم بِمُعْجِزِينَ} بفائتين العذاب.

.تفسير الآية رقم (54):

{وَلَوْ أَنَّ لِكُلِّ نَفْسٍ ظَلَمَتْ مَا فِي الْأَرْضِ لَافْتَدَتْ بِهِ وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (54)}
{وَلَوْ أَنَّ لِكُلّ نَفْسٍ ظَلَمَتْ} بالشرك أو التعدي على الغير {مَّا في الأرض} من خزائنها وأموالها. {لاَفْتَدَتْ بِهِ} لجعلته فدية لها من العذاب، من قولهم افتداه بمعنى فداه. {وَأَسَرُّواْ الندامة لَمَّا رَأَوُاْ العذاب} لأنهم بهتوا بما عاينوا مما لم يحتسبوه من فظاعة الأمر وهوله فلم يقدروا أن ينطقوا. وقيل: {أَسَرُّواْ الندامة} أخلصوها لأن إخفاءها إخلاصها، أو لأنه يقال سر الشيء لخالصته من حيث إنها تخفى ويضن بها. وقيل أظهروها من قولهم أسر الشيء وأسره إذا أظهره. {وَقُضِىَ بَيْنَهُمْ بالقسط وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ} ليس تكريراً لأن الأول قضاء بين الأنبياء ومكذبيهم والثاني مجازاة المشركين على الشرك أو الحكومة بين الظالمين والمظلومين، والضمير إنما يتناولهم لدلالة الظلم عليهم.

.تفسير الآية رقم (55):

{أَلَا إِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَلَا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (55)}
{أَلا إِنَّ للَّهِ مَا في السموات والأرض} تقرير لقدرته تعالى على الإثابة والعقاب. {أَلاَ إِنَّ وَعْدَ الله حَقٌّ} ما وعده من الثواب والعقاب كائن لا خلف فيه. {ولكن أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ} لأنهم لا يعلمون لقصور عقولهم إلا ظاهراً من الحياة الدنيا.

.تفسير الآيات (56- 60):

{هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (56) يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ (57) قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (58) قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلَالًا قُلْ آَللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ (59) وَمَا ظَنُّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَشْكُرُونَ (60)}
{هُوَ يُحْىِ وَيُمِيتُ} في الدنيا فهو يقدر عليهما في العقبى لأن القادر لذاته لا تزول قدرته، والمادة القابلة بالذات للحياة والموت لهما أبداً. {وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} بالموت أو النشور.
{يا أيها الناس قَدْ جَاءتْكُمْ مَّوْعِظَةٌ مّن رَّبّكُمْ وَشِفَاء لِمَا في الصدور وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لّلْمُؤْمِنِينَ} أي قد جاءكم كتاب جامع للحكمة العملية الكاشفة عن محاسن الأعمال ومقابحها المرغبة في المحاسن والزاجرة عن المقابح، والحكمة النظرية التي هي شفاء لما في الصدور من الشكوك وسوء الاعتقاد وهدى إلى الحق واليقين ورحمة للمؤمنين، حيث أنزلت عليهم فنجوا بها من ظلمات الضلال إلى نور الإِيمان، وتبدلت مقاعدهم من طبقات النيران بمصاعد من درجات الجنان، والتنكير فيها للتعظيم.
{قُلْ بِفَضْلِ الله وَبِرَحْمَتِهِ} بإنزال القرآن، والباء متعلقة بفعل يفسره قوله: {فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ} فإن اسم الإشارة بمنزلة الضمير تقديره بفضل الله وبرحمته فليعتنوا أو فليفرحوا فبذلك فليفرحوا، وفائدة ذلك التكرير التأكيد والبيان بعد الإجمال وإيجاب اختصاص الفضل والرحمة بالفرح أو بفعل دل عليه {قَدْ جَاءتْكُم}، وذلك إشارة إلى مصدره أي فبمجيئها فليفرحوا والفاء بمعنى الشرط كأنه قيل: إن فرحوا بشيء فيهما فليفرحوا أو للربط بما قبلها، والدلالة على أن مجيء الكتاب الجامع بين هذه الصفات موجب للفرح وتكريرها للتأكيد كقوله:
وَإِذَا هَلَكْتُ فَعِنْدَ ذَلِكَ فَاجْزَعِي

وعن يعقوب {فلتفرحوا} بالتاء على الأصل المرفوض، وقد روي مرفوعاً ويؤيده أنه قرئ: {فافرحوا}. {هُوَ خَيْرٌ مّمَّا يَجْمَعُونَ} من حطام الدنيا فإنها إلى الزوال قريب وهو ضمير ذلك. وقرأ ابن عامر تجمعون بالتاء على معنى فبذلك فليفرح المؤمنون فهو خير مما تجمعونه أيها المخاطبون.
{قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَّا أَنزَلَ الله لَكُمْ مّن رّزْقٍ} جعل الرزق منزلاً لأنه مقدر في السماء محصل بأسباب منها، وما في موضع النصب ب {أَنَزلَ} أو ب {أَرَءيْتُمْ} فإنه بمعنى أخبروني، ولكم دل على أن المراد منه ما حل ولذلك وبخ على التبعيض فقال: {فَجَعَلْتُمْ مّنْهُ حَرَامًا وَحَلاَلاً} مثل: {هذه أنعام وَحَرْثٌ حِجْرٌ} {مَا في بُطُونِ هذه الأنعام خَالِصَةٌ لِّذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ على أزواجنا} {قُلِ ءَآللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ} في التحريم والتحليل فتقولون ذلك بحكمه. {أَمْ عَلَى الله تَفْتَرُونَ} في نسبة ذلك إليه ويجوز أن تكون المنفصلة متصلة ب {أَرَءيْتُمْ} وقل مكرر للتأكيد وأن يكون الاستفهام للإِنكار، و{أَمْ} منقطعة ومعنى الهمزة فيها تقرير لافترائهم على الله.
{وَمَا ظَنُّ الذين يَفْتَرُونَ عَلَى الله الكذب} أي شيء ظنهم. {يَوْمُ القيامة} أيحسبون أن لا يجازوا عليه، وهو منصوب بالظن ويدل عليه أنه قرئ بلفظ الماضي لأنه كائن، وفي إبهام الوعيد تهديد عظيم {إِنَّ الله لَذُو فَضْلٍ عَلَى الناس} حيث أنعم عليهم بالعقل وهداهم بإرسال الرسل وإنزال الكتب. {ولكن أَكْثَرَهُمْ لاَ يَشْكُرُونَ} هذه النعمة.

.تفسير الآية رقم (61):

{وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآَنٍ وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَلَا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (61)}
{وَمَا تَكُونُ في شَأْنٍ} ولا تكون في أمر، وأصله الهمز من شأنت شأنه إذا قصدت قصده والضمير في {وَمَا تَتْلُو مِنْهُ} له لأن تلاوة القرآن معظم شأن الرسول، أو لأن القراءة تكون لشأن فيكون التقدير من أجله ومفعول تتلو {مِن قُرْءانٍ} على أن {مِنْ} تبعيضية أو مزيدة لتأكيد النفي أو لل {قُرْءانَ}، وإضماره قبل الذكر ثم بيانه تفخيم له أو لله. {وَلاَ تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ} تعميم للخطاب بعد تخصيصه بمن هو رأسهم، ولذلك ذكر حيث خص ما فيه فخامة وذكر حيث عم ما يتناول الجليل والحقير. {إِلاَّ كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا} رقباء مطلعين عليه. {إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ} تخوضون فيه وتندفعون. {وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبّكَ} ولا يبعد عنه ولا يغيب عن علمه، وقرأ الكسائي بكسر الزاي هنا وفي (سبأ). {مِن مّثْقَالِ ذَرَّةٍ} موازن نملة صغيرة أو هباء. {فِي الأرض وَلاَ في السماء} أي في الوجود والإمكان فإن العامة لا تعرف ممكناً غيرهما ليس فيهما ولا متعلقاً بهما، وتقديم الأرض لأن الكلام في حال أهلها والمقصود منه البرهان على إحاطة علمه بها. {وَلاَ أَصْغَرَ مِن ذلك وَلا أَكْبَرَ إِلاَّ في كِتَابٍ مُّبِينٍ} كلام برأسه مقرر لما قبله {وَلاَ} نافية و{أَصْغَرَ} اسمها {وَفِى كِتَابٍ} خبرها. وقرأ حمزة ويعقوب بالرفع على الابتداء والخبر، ومن عطف على لفظ {مِثْقَالَ ذَرَّةٍ} وجعل الفتح بدل الكسر لامتناع الصرف أو على محله مع الجار جعل الاستثناء منقطعاً، والمراد بالكتاب اللوح المحفوظ.